مرج السلطان معاناة قرية شركسية في سورية
لإلقاء مزيد من الضوء على أحوال الشراكسة المتضررين من الأزمة السورية بشكل عام والمحاصرين في قرية مرج السلطان بشكل خاص ننشر مقال السيد جانبلات شكاي الذي يفصل بعض المعلومات عن أحوال القرية وإحتياجاتها الحالية. والمنظمة الشركسية للعودة إذ تنشر هذا المقال تحرص على الحيادية الكاملة وتبتعد كل البعد عن المواقف السياسية وتتوخى في نشر هذا المقال حث أولي العزم من مجتمعنا على مد يد المساعدة وعمل المستطاع لأهلنا المحاصرين في مرج السلطان.
مرج السلطان – معاناة قرية شركسية في سورية
جانبلات شكاي
تعتبر “مرج السلطان” القرية الشركسية الوحيدة في غوطة دمشق وفي الريف القريب من العاصمة السورية حيث لا تبعد عنها سوى 16 كيلومترا، وكان يقطن فيها قبل اندلاع الأزمة في سورية نحو 700 أسرة وبمجموع يصل إلى نحو ثلاثة آلاف نسمة.
وبسبب وقوع مطار للحوامات العسكرية، ومركز هام للرادار على أراضيها الزراعية الخصبة، تحولت مرج السلطان إلى ساحة معركة بين الجيش السوري والمعارضة المسلحة التي سيطرت بشكل كامل على القرية منذ نهاية تشرين الثاني 2012، ما ألحق ضررا بالغا في العديد من المنازل التي دمرت بشكل شبه كامل كما سقطت قذائف كثيرة على منازل أخرى وألحقت بها أضرارا كبيرة خلال معارك السيطرة على الثكنات العسكرية من قبل المعارضة، أو بعد ذلك وحتى اليوم بسبب استهداف القرية من الجيش السوري بمختلف الأسلحة بما فيها القصف الجوي بحجة استهداف مقار لمسلحي المعارضة في القرية.
ونتيجة تلك الأحداث نزح عن القرية معظم سكانها على دفعات، حيث غادر أول مرة معظمهم مع سيطرة المعارضة على الثكنات العسكرية ولم يبق في القرية إلا 150 فردا معظمهم من الذكور، وبعد هدوء المعارك، وتشكيل لجنة لإدارة أمور القرية عاد إليها بعد نحو شهر ما يقارب الألف من أهلها، ونجحت اللجنة بتأمين عودة الكهرباء وإصلاح البنية التحتية المتضررة وفتح المدارس.
ومع محاولة الجيش السوري استعادة السيطرة على الغوطة الشرقية واقتراب خطوط المواجهات من القرية من ناحية الشرق، وتضرر شبكة الكهرباء في القرى المجاورة نتيجة المعارك وانقطاعها بالتالي بشكل كامل عن القرية، تعرضت القرية لحركة نزوح ثانية بعد شهر ايار عام 2013 حيث تركها أهلها مرة ثانية مع اشتداد الحصار تدريجا على الغوطة عموما وبعد نحو ثلاثة أشهر تم اغلاق الطريق نهائيا فبقي بالقرية 120 فرادا معظمهم أيضا من الذكور وضمنهم نحو 10 سيدات وخمسة اطفال مازالوا يعيشون في القرية تحت الحصار وفي ظروف غاية في التعقيد، حيث ظهرت خلال الأشهر الأخيرة آفة الحمى التيفية بينهم، وساءت أحوالهم المادية بسبب الارتفاع الجنوني للأسعار بحث بات سعر كيلو السكر إن وجد يباع بثلاثة آلاف ليرة بالقرية بينما يباع بدمشق بسعر 150 ليرة، وهذا حال باقي المواد الغذائية التي يباع مثلا كيلو الخبز بسعر 1200 ليرة بينما يباع بدمشق بعشرين ليرة فقط.
ومازال هؤلاء يعيشون داخل القرية التي بات يقطنها في المقابل أكثر من أربعة آلاف نازح من القرى العربية المجاورة من الذين تدمرت قراهم، ويحول الشباب الشراكسة الصامدون في القرية دون تدميرها ونهبها ويحافظون على روحها وخصوصيتها الشركسية.
لقد تركت الأحداث السابقة أثرها السيئ على القرية بحيث فقدت ستة من خيرة أبنائها، وأصيب العديد منهم بجراح، وإضافة إلى تدمير هائل لحق بعدد كبير من المنازل وبمسجدين في القرية، فإن اللصوص الذين زادت سطوتهم بعد تراجع نفوذ الدولة وأجهزتها، قاموا بسرقة 42 سيارة من القرية وخطفوا عددا من سكانها بمن فيهم مختار البلدة إحسان أبدة وكاتب هذه السطور، لكن تم تحرير كل المخطوفين وإعادة قسم من السيارات.
إن وقوع القرية تحت سيطرة المعارضة المسلحة، جعلها خارج مجال نشاط الجمعية الشركسية المرخصة بدمشق والمكبلة بضوابط وقوانين لا تسمح لها بالنشاط إلا بإشراف السلطات الرسمية، وخصوصا فيما يتعلق والمساعدات الغذائية والطبية.
أما الأسر النازحة من القرية إلى العاصمة دمشق ومحيطها فتقوم الجمعية بتقديم مساعدات غذائية وطبية إلى هذه الأسر ممن تقدم وسجل اسمه في سجلات الجمعية ويستفيد من هذه المساعدات:
26 أسرة بمجموع 104 أفراد في الكسوة الشرقية.
16 أسرة بمجموع 58 فردا في الكسوة الغربية.
136 أسرة بمجموع 345 فردا في قدسيا.
172 أسرة بمجموع 639 فردا في أحياء دمشق المختلفة.
أي بمجموع 350 أسرة وبمجموع 1146 فردا.
وهذه الأرقام متحركة بسبب الانتقال بين هذه التجمعات او النزوح خارج البلاد، ولا يمكن اعتبار اهالي القرية النازحين منهم ضمن سورية او الذين خرجوا منها أفضل حال كثيرا ممن ظل داخل القرية، فبعد حياة الرفاهية التي كانت تميز معظم سكان القرية ومنازلهم الفارهة باتوا يقيمون في منازل صغيرة وربما العائلة كلها في غرفة واحدة، وانقطع مصدر دخلهم وتحولوا من متبرعين للآخرين إلى أناس ينتظر قسم كبير منهم موعد استلام الحصة الغذائية من الجمعية الشركسية في منظر يقطع القلوب.
وهذه الحالة من الضياع والتشتت دفع إلى ظهور العديد من الأمراض التي لم تكن موجودة في القرية حيث زادت حالات الاصابة بالسرطانات والأزمات القلبية بين النازحين وبنسبة لافتة وتوفي العديد منهم جراء ذلك، وباتت العائلة الواحدة تدفن أمواتها ربما في أكثر من دولة.
إن معظم الخدمات التي تقدمها الدولة تكاد تكون غير متوفرة من الكهرباء والمحروقات وحتى الخبز والطحين وبقية المواد الغذائية التي إن توفرت فهي بأسعار خيالية مقارنة بدمشق.
إن أبرز ما تحاجه القرية هذه الأيام، وبسبب الحصار المفروض على الغوطة الشرقية، هي المحروقات مثل المازوت والبنزين والغاز، إضافة إلى الخبز والطحين وباقي أنواع الطعام، وفي حال نجحت الدولة إعادة فرض سيطرتها على القرية بالقوة العسكرية، أو رفع الحصار عن القرية عبر مصالحة قد تشهدها الغوطة الشرقية بالكامل أو على الأقل القرى والبلدات القريبة من مرج السلطان، فإن أكثر الأمور إلحاحا هي في تأمين وصول الطاقة الكهربائية بعد صيانة خطوط نقلها والمتضررة كثيرا جراء المعارك.
وتأمين الكهرباء سيتبعه تأمين بعض محطات التحويل لخفض الطاقة وتصبح مفيدة للاستهلاك المنزلي حيث تعرضت المحطات للتدمير نتيجة سقوط القذائف على القرية.
إن إعادة الحياة إلى القرية مرة ثالثة يتطلب إعادة بناء ما تم تدميره وهو ما يعني الحاجة إلى مساعدات مالية كبيرة.
إن نزوح معظم أهل القرية عنها لفترة طويلة دون أن يتمكنوا من نقل أثاثهم وممتلكاتهم، جعل من منازلها محط أطماع ضعاف النفوس واللصوص وقد تعرض العديد من منازلها للسرقة والنهب، ويجب السعي للتعويض على اللذين سرقت منازلهم.
كما أن إعادة الحياة للقرية يتطلب تأهيل بعض المرافق العامة مثل المدارس التي تأذت نتيجة القصف أو سرق أثاثها، وتأهيل شبكات الكهرباء والهاتف والمياه والصرف الصحي كما تحتاج القرية إلى صيانة بعض شوارعها.
إن الحالة الأمنية غير المستقرة دفع بمعظم عائلاتها للنزوح منها إلى دمشق والأحياء المجاورة لها، وبعضهم ترك سورية إلى العديد من الدول بحيث يعيش حاليا في:
الأردن نحو 40 عائلة بمجموع 160 فردا.
مصر ثلاث عائلات بمجموع 11 فردا.
تركيا 35 عائلة بمجموع 150 فردا.
الأديغي نحو 35 عائلة وبمجموع نحو 150 فردا.
قبردينيا 8 عائلات بمجموع 38 فردا.
الأبخاز نحو خمسة عائلات بمجموع 19 فردا.
إضافة إلى أكثر من 10 عائلات على دول أخرى في العالم وخصوصا في أوربا وأميركا والخليج العربي وحتى استراليا.
وبذلك فإن عدد الأسر التي باتت خارج سورية من مرج السلطان وصل إلى نحو 135 أسرة بمجموع 550 فردا من أصل 700 أسرة، وهذه الارقام متحركة وغير ثابتة مع تواصل عمليات النزوح، وأحيانا العودة إلى داخل سورية.
وأبدت نحو 88 أسرة من أهالي مرج السلطان المقيم حاليا في دمشق وضواحيها رغبتها بالعودة إلى الأديغي أو قبردينا وبمجموع يصل إلى 346 فردا، وإن كان معظمهم يفضل العودة إلى الأديغي على اعتبار أن أكثر سكان القرية هم من الأبزاخ ثم الشابسيغ.