من التاريخ المعاصر للشركس

منذ تاريخ التهجير القسري للشراكسة من أرضهم في القفقاس في القرن التاسع عشر وتوطينهم في البلقان وقفاري تركيا و باطراف بادية الشام وزجهم من قبل العثمانيين في مواقع الدفاع عن الحدود والمدن وخط الحجاز الحديدي ضد الغزاة القادمين من الصحراء, وقد فرضت عليهم نزاعات مع الجيران الجدد. كما بدأ صراعهم مع الطبيعة القاسية للاماكن الجديدة التي قطنوها والتي تمثلت في مناطق شبه صحراوية أو مناطق مستنقعية. خلال هذه الفترة تعرّض الشراكس لأوبئة مثل الملاريا و الطاعون حيث حصدت الكثير منهم و زج بمن نجا من كل هذا في حروب العثمانيين حيث أُرسل الشراكس الى جبهات القتال قسراً بِدأً من العراق و وصولاً الى أوروبا فقتل منهم الكثير ايضاً.

وفي منتصف القرن العشرين شارك الشراكس في حروب الاستقلال مع الدول المضيفة ,والتي افرزت بعدها سلطات ذات طابع قومي تعصبي ,حاولت ان تمنعهم من التحدث بلغتهم , وممارسة طقوسهم و عاداتهم , وما ان استقرت الاوضاع قليلا وبدأوا بترتيب اوضاعهم حتى عادت الماّسي من جديد إثر نشوب النزاع العربي الاسرائيلي في منطقة الشرق الاوسط والذي أسفر عن احتلال الجولان عام 1967 ونزوح الألاف عن بيوتهم وممتلاكاتهم ليبدأوا مسيرة البناء من جديد. وفي البوسنة حين تعرضوا لويلات الحرب اليوغسلافية خلال الأعوام 1992 و 1995. وطبعا خسر شراكسة البوسنة ما بنوه خلال قرن من الزمن وانتقلوا الى اماكن اخرى اكثر أماناً ليبدأوا بتأمين مستلزمات الحياة الضرورية من جديد .

والآن نعيش محنة أخرى من خلال ما يتعرض له شعبنا الشركسي في سوريا من مآسي منذ بداية الصراع الداخلي السوري منذ عام 2011. منذ أن بدأت الأزمة السورية وبدأت تفاعلاتها الداخلية بين المعارضة والسلطة والتي أدت الى حرب طاحنة بالإشتداد حتى بدأ الملايين للالتجاء الى أماكن أكثر أماناً نتيجة تدمير بيوتهم وقراهم. وبطبيعة الحال كان لشراكس سوريا نصيب مما آلت اليه الأحوال في سوريا بالرغم من عدم إنخراطهم في الصراع كطرفٍ مباشر كأقليه وكانوا جزءاً ممن طحنتهم هذه المحنة. فشراكسة حمص وريفها تدمرت بيوتهم وغادر قسم منهم البلاد و توزع قسم كبير منهم في مناطق أخرى كما بقي قسم اّخر تحت الحصار. والأمر ذاته طال شراكسة بريقه وبيرعجم كما إمتد الوضع ليشمل كلاً من خناصر ومنبج وحلب ومرج السلطان والرقه. إن الأحداث الأخيرة تسببت في بعثرة الشراكسة في دول مختلفة وفي مناطق متعددة وتسببت في تفريق أفراد العائلة الواحدة في بلدانٍ مختلفة. قسم ضئيل من هؤلاء النازحيين الجدد تمت دعوتهم من قبل جمعيات قفقاسيه للعودة الى الوطن الام في حين يعانى القسم الأكبر المزيد من التشتت في أماكن جديدة.

من الصعب تحديد مقدار ضخامة الخسارة التي آلت بشراكسة سوريا إلا أن المؤشرات الأولى تشير الى كارثة جديدة تعصف بشعبنا. لقد مات الكثير وفقد الكثير وأوقف الكثير وشُرد الكثير. الخوف الحقيقي يكمن في أن تنتقل مجريات الحدث السوري و الذي دخل عامه الرابع الى الدول المحيطة به و التي يقطنها عشرات الألوف من الشراكس ولجأ اليه الألآف من شراكسة سوريا وهو أمٌر له إرهاصاته الاولى ايضاً وذلك في ظل التجاذبات الاقليمية والدولية غير المستقرة خصوصاً في ظل غياب حلول سياسية لمايجري في سوريا بشكل خاص والمنطقة بشكل عام.

تفاوتت ردات الفعل الشركسية إزاء الحدث الذي يعصف بشراكسة سوريا. فبالرغم من وجود العديد من الجهود الحثيثة التي قامت بها بعض الجهات كجمعية البرت و جمعية الاردن وبعض الجمعيات في تركيا بالإضافة إلى المحاولات الفردية لبعض النشطاء إلا أن جُلها إتسم بعدم التنسيق مع الأطراف الأخرى.

مئة وخمسون عاماً منذ هُجر الشركس بعد معاناة طويلة من الحرب والدمار والخراب وما تبع التهجير من كوارث متلاحقة لم تثمر عن إنشاء منظمة راعية لكل الشأن الشركسي ولم تثمر عن بناء جسور متينة بين الجمعيات الشركسية المنتشرة في كل بقاع الأرض لتنسق مع بعضها البعض وتعمل معاً لدعم ورعاية الشؤون الشركسية أينما كانت. إن ما يعصف بشعبنا في سوريا مثال حي لما سبق و عصف بنا مراراً وتكراراً لسنوات طويلة وهو مثال حي لما قد يصيبنا في المستقبل.

إن تاريخنا المأساوي وحاضرنا المبكي ومستقبلنا المبهم يحتم علينا توحيد جهودنا و تجاوز احزاننا و البدء بالعمل الجاد عبر التواصل والتنسيق والعمل المشترك وذلك لايجاد الحلول المناسبة لمساعدة المتضررين والراغبيين في العودة الى تحقيق هدفهم بالعيش الآمن والإستقرار بحياتهم إقتصادياً وإجتماعياً.

إن مساعدة المتضررين والمحتاجيين والراغبيين في تحقيق أهدافهم لن يتم عبر الحزن والبكاء على الأطلال بل عبر الإصرار والعمل الدؤوب في إيجاد الطرق والأطر المناسبة والسبل الكفيلة التي تمكننا من العودة الى أرض أجدادنا بالطرق السلمية. إن عناصر النجاح تكمن في الأمل والتفاؤل والعمل الدؤوب وكما ويقول المثل الشركسي لا يخفق من بدأ المشوار من الوصول لغايته

بعض من صور قرية البريقة التي هجرها سكانها  بعد ان تعرضت للقصف